بالنظر إلى عام 2025 ، قدّم الذهب أحد أكثر الأداءات لفت للانتباه عبر الأسواق العالمية. فقد واصلت الأسعار تسجيل قمم جديدة بشكل متكرر ، محطّمة أرقام تاريخية أكثر من 50 مرة ، مع مكاسب قصوى تجاوزت 67%.
تاريخياً، يمثّل ذلك أقوى أداء سنوي منذ عام 1979. وعلى أساس المقارنة النسبية ، تفوّق الذهب بشكل ملحوظ على مؤشرات الأسهم الرئيسية مثل S&P 500 وناسداك.

الأكثر لفت للنظر كان تفكك الارتباطات التقليدية. فوفق منطق التداول الكلاسيكي ، يتحرك الذهب عادةً بعلاقة عكسية مع أسعار الفائدة أو الأصول عالية المخاطر. إلا أنّ العام الماضي شهد ارتفاع الذهب جنباً إلى جنب مع الأسهم الأمريكية ، وهو تطور غير معتاد ويحمل دلالات مهمة. هذا يشير إلى تحوّل جوهري في كيفية تسعير السوق للذهب.
ومع اقتراب نهاية العام ، يطرح المتداولون سؤالين أساسيين: هل يمكن لزخم الصعود في 2025 أن يمتد إلى 2026؟ وما العوامل التي قد تواصل دعم الذهب أو تحدّ من صعوده من هنا فصاعداً؟
لم يكن صعود الذهب في 2025 نتيجة محفّز واحد بعينه ، بل جاء نتيجة تلاقي عدة قوى قوية في آن واحد. شكّلت مشتريات البنوك المركزية العمود الفقري لقدرة الذهب على الصمود عند المستويات المرتفعة. فقد واصلت البنوك المركزية العالمية تسجيل صافي مشتريات إيجابي لعدة سنوات متتالية. وخلال الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2025 وحدها ، بلغت صافي المشتريات 634 طنًا ، مع توقعات بأن يتجاوز الطلب الإجمالي للعام 1,200 طن. وعلى وجه الخصوص، أضاف بنك الشعب الصيني الذهب إلى احتياطياته لمدة 13 شهر متتالي، رافع حصة الذهب ضمن احتياطياته من النقد الأجنبي إلى مستوى قياسي.

على مستوى أعمق ، يعكس ذلك تحوّل هيكلي في النظام النقدي العالمي. فقد أدّت المخاوف بشأن استدامة المالية العامة في الولايات المتحدة وتآكل مصداقية الدولار إلى تسريع وتيرة تنويع الاحتياطيات. وفي هذا السياق ، برز الذهب كأصل محايد وغير خاضع للعقوبات بوصفه مرساة مفضّلة للاحتياطيات. ويتميّز هذا الطلب بكونه غير حساس للدورة الاقتصادية وغير حساس للسعر، ما يرفع فعليًا الحد الأدنى للتقييم طويل الأجل للذهب.
في الوقت نفسه ، ساهمت توقعات خفض أسعار الفائدة وضعف الدولار الأميركي في تقليص تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالذهب. وعلى مدار عام 2025 ، بدأت الأسواق بشكل متزايد بتسعير خفض الفائدة القادم من الاحتياطي الفيدرالي ، ما دفع العوائد إلى الانخفاض وضغط على الدولار وكلاهما عامل داعم لأصل لا يدر عائد ومقوّم بالدولار. كما أضاف تحسّن أوضاع السيولة العالمية المرتبطة بدورات التيسير النقدي رياحًا داعمة إضافية. كما لعبت الجغرافيا السياسية وحالة عدم اليقين الكلي دور محوري. فقد استمرت التوترات في أوكرانيا والشرق الأوسط وأجزاء من جنوب شرق آسيا في إرباك الأنظمة المالية ، وتعطيل طرق التجارة ، وسلاسل الإمداد.
وفي الوقت ذاته ، تباطأ النمو العالمي ، وعادت المخاوف من ركود الاقتصاد الأميركي إلى الظهور بشكل متقطع. ومع إضافة حالة عدم اليقين على صعيد السياسات بدءً من الخطاب المتقلب بشأن الرسوم الجمركية في عهد ترامب ، وصولاً إلى المخاوف المتعلقة باستقلالية الاحتياطي الفيدرالي أصبحت الأسواق أكثر حساسية للمخاطر النظامية. وفي مثل هذه البيئة ، ظلّ جاذبية الذهب كأداة تحوّط قوية قائمة.
وأخيراً ، عزّز زخم الأسعار نفسه هذا الاتجاه. فقد سجّلت صناديق الذهب المتداولة تدفقات داخلة تراكمية بنحو 77 مليار دولار في عام 2025 ، ما يسلّط الضوء على أهمية المعنويات والتحولات الهيكلية في دفع الطلب. وبرزت آسيا ولا سيما الصين والهند بشكل لافت ، مع قفزة قوية في الطلبين الفردي والمؤسسي على الذهب المادي وصناديق الـETF. أدّت الأسعار المرتفعة إلى جذب رؤوس أموال إضافية ، والتي بدورها دفعت الأسعار إلى مزيد من الارتفاع، مكوّنة حلقة ذاتية التعزيز.
وبمجموع هذه العوامل ، وفّرت مشتريات البنوك المركزية ، والطلب التحوّطي الناتج عن حالة عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي ، والتدفقات القوية إلى صناديق الـETF ، قاعدة طلب على الذهب مستقلة إلى حدّ كبير عن أسعار الفائدة أو أداء أسواق الأسهم. كما ساهم تراجع العوائد وضعف الدولار في خفض تكاليف الاحتفاظ.
وفي هذا الإطار، تدفّق رأس المال في آنٍ واحد إلى كل من الأسهم والذهب وفق منطق مزدوج يجمع بين السعي إلى العائد والتحوّط من المخاطر ، ما أسفر عن ظاهرة نادرة تمثّلت في تحقيق مكاسب متزامنة في الأصلين.
بالنظر إلى عام 2026 ، أرى أن الذهب لا يزال يمتلك مساحة للصعود ، وإن كان تكرار المكاسب الاستثنائية التي شهدها عام 2025 أمر غير مرجّح. وسيكون لمسار الاقتصاد الأميركي سواء انزلق نحو ركود أو عادت سردية الاستثنائية الأميركية لتفرض نفسها دورٌ محوري في تحديد نطاق صعود الذهب. وما عدا ذلك ، من المرجّح أن تؤثر البيانات الاقتصادية والمخاطر المرتبطة بالأحداث على إيقاع التداول قصير الأجل ، أكثر من تأثيرها على الاتجاه العام.
من منظور استراتيجي ، تقلّ أهمية تحديد مستوى سعري دقيق بقدر أهمية فهم دور الذهب عبر سيناريوهات الاقتصاد الكلي المختلفة. فمشتريات البنوك المركزية، والطلب الفعلي، والتحوّط الجيوسياسي، لا تزال تمثّل ركائز متوسطة إلى طويلة الأجل، في حين تواصل سياسات الاحتياطي الفيدرالي وأسعار الفائدة الحقيقية قيادة التحركات الدورية. وبصورة عامة ، تبرز ثلاثة سيناريوهات رئيسية:
السيناريو الأساسي:
إذا تباطأ النمو العالمي بشكل معتدل واستمر الاحتياطي الفيدرالي في دورة التيسير، فمن المرجّح أن تنخفض أسعار الفائدة الحقيقية تدريجياً مع ضعف الدولار. وهذا يقلّص تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالذهب ويدعم مزيد من المكاسب. في هذه البيئة ، يتصرف الذهب كأصل نمو دفاعي، محققًا عوائد إيجابية مستقرة بدلاً من موجات صعود حادة.
السيناريو الإيجابي (الصاعد):
إذا دخل الاقتصاد العالمي في حلقة مفرغة تتصاعد فيها إشارات الركود ، وتحتدم التوترات التجارية، وترتفع المخاطر الجيوسياسية، فقد تتجسّد المخاطر القصوى. عندها قد ينفجر الطلب التحوّطي دفعة واحدة ، دافعاً أسعار الذهب إلى قفزات حادة على المدى القصير. ورغم أن احتمال هذا السيناريو منخفض، فإن أثره سيكون كبيرًا. وفي مثل هذه الحالة، قد تبدأ الأسواق بالمضاربة على إجراءات إنقاذ تقودها سياسات الاحتياطي الفيدرالي أو إدارة ترامب، مع تيسير مالي ونقدي متزامن يضاعف من زخم صعود الذهب.
السيناريو السلبي (الهابط):
إذا فاجأت متانة الاقتصاد الأميركي التوقعات ، وعادت سردية الاستثنائية بقوة ، وتسارعت الحوافز المالية قبيل انتخابات منتصف الولاية ، وظهرت بوادر إعادة تسارع التضخم، فقد يُضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى الإبقاء على الفائدة مرتفعة لفترة أطول. في هذه الحالة، قد يتعرض الذهب لضغوط تصحيحية. إلا أن هذه التراجعات ستبدو أقرب إلى تصحيحات تقييمية ، لا إلى انهيار في البنية السوقية. كما تمثل تقلبات أسواق الأسهم عامل مخاطرة إضافياً إذ قد يدفع خفض المراكز القسري بعض المتداولين إلى تصفية حتى أصول الملاذ الآمن لتوفير السيولة، ما يضغط مؤقت على الذهب.
ومن المهم أيضاً الإشارة إلى اتساع قاعدة المشترين. فإلى جانب البنوك المركزية والمؤسسات والمستثمرين الأفراد والطلب الفعلي، بدأت جهات جديدة مثل مُصدري العملات المستقرة وبعض إدارات خزائن الشركات بتخصيص جزء من أصولها للذهب. هذا الاتساع في قاعدة رأس المال يضيف قدر أكبر من المتانة للطلب. وحتى في مواجهة التصحيحات ، يبدو أن الدور الاستراتيجي للذهب ضمن المحافظ العالمية بات راسخ بقوة.
مع الدخول إلى عام 2026 ، لا يزال الذهب مدعوم بعدة عوامل هيكلية داعمة : استمرار مشتريات البنوك المركزية ، وبيئة الدولار وأسعار الفائدة التي تميل عمومًا لصالح الذهب ، وارتفاع منسوب عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي الكلي. بعبارة أخرى ، لا يزال مسار المقاومة الأقل يشير إلى اتجاه صاعد.
بالنسبة للمتداولين ، يتمثل التحدي الأساسي في إدراك الدور المتغيّر للذهب وتكييف التمركز مع اختلاف الأنظمة الاقتصادية الكلية. ففي حالات التباطؤ المعتدل أو الدخول في دورة هبوطية محدودة ، يظل الشراء عند التراجعات استراتيجية محورية. أما في حال وقوع صدمات حادة من نمط العزوف الشديد عن المخاطر، فقد يساهم إضافة التعرض بشكل انتقائي في اقتناص مكاسب قصيرة الأجل.
في المقابل، إذا فاجأ النمو الاقتصادي التوقعات صعود أو تعزز الدولار بشكل ملموس ، يصبح خفض التعرض أو التحوّط أمر ضروري لإدارة مخاطر الهبوط. كما أن تقلبات الذهب على المدى القصير مقابل الدولار (XAUUSD) ، والفرص العابرة للعملات الناتجة عن تباين السياسات النقدية عالمياً ، والتحولات في تدفقات صناديق الـETF، جميعها تشكل إشارات تداول قيمة.
كذلك تستحق الفرص الممتدة على طول سلسلة إمداد الذهب اهتمام خاص. فارتفاع أسعار الذهب ينعكس مباشرةً على تحسّن ربحية شركات التعدين والصناعات المرتبطة ، ما يفتح زوايا إضافية للتداول والاستثمار. إن انتقال الأسعار عبر سلسلة القيمة لا يوفّر فرص مضاربية فحسب ، بل يقدّم أيضا رؤى مفيدة حول ديناميكيات سوق الذهب الأوسع.
خلاصة القول ، يتطلب سوق الذهب في 2026 مزيجً من التحليل الكلي الرصين والمرونة التكتيكية اقتناص الفرص قصيرة الأجل ، مع الحفاظ على احترام الدور الدائم للذهب كأصل استراتيجي متوسط إلى طويل الأجل ضمن المحافظ الاستثمارية.
"لم يتم إعداد المواد المقدمة هنا وفقًا للمتطلبات القانونية المصممة لتعزيز استقلالية البحث الاستثماري، وعلى هذا النحو تعتبر بمثابة وسيلة تسويقية. في حين أنه لا يخضع لأي حظر على التعامل قبل نشر أبحاث الاستثمار، فإننا لن نسعى إلى الاستفادة من أي ميزة قبل توفيرها لعملائنا.
بيبرستون لا توضح أن المواد المقدمة هنا دقيقة أو حديثة أو كاملة ، وبالتالي لا ينبغي الاعتماد عليها على هذا النحو. لا يجب اعتبار المعلومات، سواء من طرف ثالث أم لا، على أنها توصية؛ أو عرض للشراء أو البيع؛ أو التماس عرض لشراء أو بيع أي منتج أو أداة مالية؛ أو للمشاركة في أي استراتيجية تداول معينة. لا يأخذ في الاعتبار الوضع المالي للقراء أو أهداف الاستثمار. ننصح القراء لهذا المحتوى بطلب المشورة الخاصة بهم والإستعانة بخبير مالي. بدون موافقة بيبرستون، لا يُسمح بإعادة إنتاج هذه المعلومات أو إعادة توزيعها.
تداول العقود مقابل الفروقات والعملات الأجنبية محفوف بالمخاطر. أنت لا تملك الأصول الأساسية و ليس لديك أي حقوق عليها. إنها ليست مناسبة للجميع ، وإذا كنت عميلاً محترفًا ، فقد يؤدي ذلك إلى خسارة أكبر من استثمارك الأساسي. الأداء السابق في الأسواق المالية ليس مؤشرا على الأداء المستقبلي. يرجى النظر في المخاطر التي تنطوي عليها، والحصول على مشورة مستقلة وقراءة بيان الإفصاح عن المنتج والوثائق القانونية ذات الصلة (المتاحة على موقعنا على الإنترنت www.pepperstone.com) قبل اتخاذ قرار التداول أو الاستثمار.
هذه المعلومات غير مخصصة للتوزيع / الاستخدام من قبل أي شخص في أي بلد يكون فيه هذا التوزيع / الاستخدام مخالفًا للقوانين المحلية."